في قلب باريس بيونسيه وجاي زي يعيدان حكاية الغرب الأمريكي على إيقاع لويس فويتون

بيونسيه وجاي زي يعيدان حكاية الغرب الأمريكي على إيقاع لويس فويتون، في لحظة تجلّت فيها الموضة كقوة ثقافية حقيقية، تحولت واجهة عرض أزياء دار “لويس فويتون” للأزياء الرجالية لربيع وصيف 2026 في باريس إلى مسرح لسردية أكبر بكثير من مجرد ملابس. بالتالي عبر موقع mrmagazin سنتعرف على بيونسيه وجاي-زي يعيدان كتابة حكاية الغرب الأمريكي على إيقاع لويس فويتون.
بيونسيه وجاي زي يعيدان حكاية الغرب الأمريكي على إيقاع لويس فويتون
لم تكن الأنظار مسلّطة فقط على التصاميم التي أبدعها فاريل ويليامز، المدير الإبداعي للدار، بل كانت شاخصة نحو ضيفي الصف الأول: الثنائي الملكي للموسيقى العالمية، بيونسيه وجاي-زي. بإطلالات متناغمة مستوحاة من عمق التراث الغربي الأمريكي، لم يكتفِ الثنائي بخطف الأضواء، بل أطلقا حوارًا عميقًا حول الهوية، والتاريخ، واستعادة السرديات المفقودة، لتصبح صورتهما أيقونة فورية تتناقلها أبرز مجلات الموضة العالمية وتتجاوز حدود منصات العرض.
كان المشهد بحد ذاته تعبيرًا عن القوة الناعمة. بيونسيه، التي مهدت الساحة بألبومها التاريخي “Cowboy Carter”، بدت وكأنها خرجت للتو من أحد فصوله الملحمية. ارتدت “البدلة الكندية” (Canadian Tuxedo) – وهي عبارة عن تنسيق كامل من قماش الدنيم – ولكن بلمسة “لويس فويتون” الراقية. تألفت إطلالتها من قميص دنيم داكن بأزرار أمامية، نسقته مع بنطال جينز واسع الأرجل من نفس الدرجة اللونية، مما خلق صورة ظلية قوية ومتحررة. لم تكتمل الأيقونة إلا بقبعة الكاوبوي الكلاسيكية، التي لم تعد مجرد إكسسوار، بل تاجًا يعلن عن استحقاقها لهذا الإرث. ولإضفاء لمسة من دراما المشاهير، ألقت على كتفها معطفًا من الفرو الصناعي بلون خمري غني، مضيفة تباينًا فخمًا للمظهر العملي للدنيم.
بجانبها، وقف جاي-زي كرجل الغرب الجديد، رابطًا بين جذور الهيب هوب ومساحات البراري الشاسعة. كانت إطلالته أكثر هدوءًا ولكنها لا تقل تأثيرًا. ارتدى سترة جلدية سوداء أنيقة، تحمل بصمة شعار “لويس فويتون” بمهارة على أجزاء منها، مع تي-شيرت أبيض بسيط وبنطال أسود. لكن التفاصيل هي التي أكملت القصة؛ حزام جلدي ذو إبزيم غربي فضي كبير، وحذاء كاوبوي أسود بمقدمة مربعة، ونظاراته الشمسية التي لا تفارقه. كان مظهره يمثل الجسر بين الأناقة الحضرية التي يشتهر بها، والمفردات الجديدة التي يتبناها هو وبيونسيه كقوة فنية موحدة.
فاريل ويليامز غرب أمريكي جديد برؤية عالمية
لم تكن إطلالات بيونسيه وجاي-زي مجرد اختيار شخصي موفق، بل كانت انعكاسًا مباشرًا وذكيًا لروح المجموعة التي قدمها فاريل ويليامز على المنصة. في مجموعته الثالثة للدار الفرنسية العريقة، واصل ويليامز استكشافه العميق للجذور الثقافية الأمريكية، وهذه المرة، غاص في أيقونية الغرب الأمريكي. لكن رؤيته لم تكن مجرد استنساخ سطحي للصور النمطية.
لقد فكك ويليامز خزانة ملابس راعي البقر التقليدية وأعاد تجميعها بمفردات الرفاهية والضمير الثقافي. رأينا على المنصة سترات “الفاركيرو” المطرزة يدويًا بنقوش نباتية معدنية، وبدلات العمل (Dungarees) المصنوعة من أقمشة فاخرة، وقمصان مزينة بطبعات زهور البراري. كان هناك احتفاء بالمهارة الحرفية، من خلال التطريز باللؤلؤ والأحجار على الدنيم، والأحذية التي تم تطويرها بالتعاون مع صانع أحذية الغرب الأسطوري “Goodyear”.
الأهم من ذلك، كانت المجموعة تحمل رسالة واضحة حول التنوع والشمولية. تعاون فاريل مع فنانين من قبائل “داكوتا” و”لاكوتا” الأمريكية الأصلية، لدمج رموزهم الفنية، مثل “زهرة داكوتا”، في تصاميم الحقائب والإكسسوارات. هذا التعاون لم يضفِ عمقًا وصدقًا على المجموعة فحسب، بل كان بمثابة تصحيح تاريخي، معترفًا بالمساهمات الثقافية التي طالما تم تجاهلها في السردية السائدة للغرب الأمريكي. في حديثه عن المجموعة، أشار ويليامز إلى أن رعاة البقر الأصليين “كانوا يشبهوننا. كانوا سودًا، وكانوا من الأمريكيين الأصليين”. كانت هذه هي الرسالة التي ارتدتها بيونسيه وجاي-زي بكل فخر.
Cowboy Carter والموجة الثقافية لـ Western-Core
لا يمكن فصل هذا المشهد الباريسي عن السياق الأوسع الذي خلقته بيونسيه نفسها. ألبومها “Cowboy Carter”، الذي صدر قبل أشهر قليلة، لم يكن مجرد incursione (توغل) في موسيقى الكانتري، بل كان عملية استصلاح ثقافي واسعة النطاق. من خلال الألبوم، تحدت بيونسيه الصور النمطية التي حصرت هذا النوع الموسيقي وتاريخه في هوية بيضاء بشكل حصري، مسلطة الضوء على الجذور السوداء العميقة لموسيقى الكانتري وتقاليد رعاة البقر. تشير التقديرات التاريخية إلى أن واحدًا من كل أربعة رعاة بقر في الغرب الأمريكي في القرن التاسع عشر كان من أصل أفريقي، وهي حقيقة تم محوها إلى حد كبير من الذاكرة الشعبية.
هذا المشروع الفني الضخم أشعل ما يعرف الآن في عالم الموضة بـ “Western-Core” أو “الكاوبوي-كور”. فجأة، عادت قبعات رعاة البقر، والأحذية المدببة، والسترات المهدبة، والأحزمة ذات الأبازيم الكبيرة، والجينز بقصاته المختلفة إلى صدارة المشهد. لكن هذه المرة، لم تكن مجرد موجة حنين إلى الماضي، بل كانت مشبعة بمعنى جديد. لقد تبناها جيل جديد من المستهلكين والمصممين كرمز للفردية، والتمرد، والأصالة.
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح على منصات عروض الأزياء العالمية، من “رالف لورين” الذي بنى إمبراطوريته على هذه الجمالية، إلى علامات تجارية أكثر حداثة مثل “غاني” و”إيزابيل مارانت”. لكن عندما يتبنى فاريل ويليامز هذه الموجة في “لويس فويتون”، وعندما تجسدها بيونسيه وجاي-زي، فإنها تنتقل من مجرد “تريند” إلى “بيان ثقافي”. لقد أضفوا عليها ثقلًا من الشرعية والجاذبية لا يمكن لأحد آخر أن يضاهيه.
لحظة تعريفية للقوة السوداء في الموضة
إن دلالات حضور بيونسيه وجاي-زي بهذه الإطلالات تتجاوز تحليل قطع الملابس. إنها تمثل تتويجًا لرحلة طويلة من النضال من أجل التمثيل والاعتراف في صناعتي الموسيقى والموضة. على مر العقود، حارب الفنانون السود من أجل الحصول على مقعد على الطاولة؛ أما الآن، فإن بيونسيه وجاي-زي لا يجلسان على الطاولة فحسب، بل هما من يحددان شكلها وقواعدها.
اختيارهما للغرب الأمريكي كساحة للتعبير الفني ليس عشوائيًا. إنه الفضاء الذي يمثل بامتياز الأسطورة الأمريكية، أسطورة التوسع والحرية والاكتشاف. ومن خلال إعادة تعريف من يحق له أن يروي هذه الأسطورة ويرتدي رموزها، فإنهما يقدمان رؤية جديدة وموسعة لأمريكا نفسها. إنهما يقولان للعالم إن الثقافة السوداء ليست مجرد ثقافة فرعية، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الأساسي للهوية الأمريكية، بما في ذلك رموزها الأكثر تبجيلًا.
في باريس، عاصمة الموضة العالمية، لم يكن الثنائي يتبعان الموضة، بل كانا يصنعانها ويوجهان مسارها. لقد أثبتوا أن التأثير الحقيقي لا يكمن فقط في ارتداء ملابس جميلة، بل في فهم القوة الكامنة في تلك الملابس لسرد القصص، وتحدي الافتراضات، وإلهام التغيير. لقد كانت لحظة أصبحت فيها منصة عرض الأزياء امتدادًا للمسرح الموسيقي، وتحول فيها الدنيم والجلد إلى أدوات للمقاومة الثقافية والاحتفاء بالنفس. وهكذا، ستبقى صورة بيونسيه وجاي-زي في عرض “لويس فويتون” محفورة في تاريخ الموضة، ليس فقط كإطلالة أيقونية، بل كرمز قوي لعهد جديد يعاد فيه كتابة التاريخ بألوان أكثر صدقًا وتنوعًا.