منوعات
أخر الأخبار

رحيل لطفي لبيب: وداعًا "جوكر" السينما المصرية 30/7/2025

رحيل لطفي لبيب وداعًا جوكر السينما المصرية وأحد أبطال أكتوبر

في صبيحة يوم الأربعاء، الثلاثين من يوليو عام 2025، أسدل الستار على مسيرة فنية وإنسانية حافلة، حيث غيّب الموت الفنان المصري القدير لطفي لبيب عن عمر يناهز 78 عامًا، بعد صراع طويل ومرير مع المرض. وقد أعلن نقيب المهن التمثيلية، الفنان أشرف زكي، الخبر الذي وقع كالصاعقة على قلوب محبيه وزملائه في الوسط الفني، مؤكدًا أن “صاحب البهجة” قد رحل إلى دار البقاء بعد أن أمضى أيامه الأخيرة في العناية المركزة، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا ضخمًا وذكرى إنسان مقاتل ومبدع من طراز فريد.

لقد كان رحيل لطفي لبيب بمثابة فقدان لأحد الأعمدة الرئيسية في صرح الفن المصري الحديث، فهو لم يكن مجرد ممثل، بل كان “جوكرًا” حقيقيًا، قادرًا على التحرك بخفة وبراعة بين الكوميديا والتراجيديا، وشخصية الأب الحنون والقاسي، والمسؤول الحكومي والسفير الأجنبي، بصدق وعمق جعلا منه واحدًا من أكثر الممثلين حضورًا وتأثيرًا على الشاشة على مدار أكثر من أربعة عقود.

رحيل لطفي لبيب: وداعًا “جوكر” السينما المصرية وأحد أبطال أكتوبر 30/7/2025

من ساحات الحرب إلى استوديوهات الفن نشأة غير تقليدية

وُلد لطفي حسني لبيب في 18 أغسطس 1947 بمركز ببا في محافظة بني سويف. لم تكن انطلاقته الفنية تقليدية أو سريعة. فبعد حصوله على ليسانس الآداب، التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج فيه عام 1970. لكن القدر كان يخبئ له طريقًا آخر قبل أن يخطو خطواته الأولى نحو النجومية.

فقد استُدعي للتجنيد في القوات المسلحة المصرية، وهي الفترة التي يعتبرها لبيب من أهم مراحل تكوينه الإنساني. لم يكن مجرد جندي يؤدي واجبه، بل كان مقاتلًا في الصفوف الأولى خلال حرب أكتوبر 1973. هذه التجربة الوطنية العميقة لم تذهب هباءً، فقد نحتت في شخصيته صلابة وصدقًا انعكسا لاحقًا على أدائه التمثيلي. وقد وثّق شهادته وذكرياته عن هذه الفترة البطولية في كتاب حمل عنوان “الكتيبة 26″، وهو اسم الكتيبة التي كان أحد أفرادها، ليكون بذلك الفنان الذي حمل السلاح دفاعًا عن وطنه، ثم حمل قلمه ليوثق بطولات هذا الوطن.

بعد انتهاء خدمته العسكرية التي امتدت لسنوات، سافر للعمل خارج مصر لفترة، مما أدى إلى تأخر انطلاقته الفنية الفعلية حتى بداية الثمانينيات. هذا التأخير لم يثبط من عزيمته، بل منحه نضجًا وخبرة حياتية استثمرها في أدواره المستقبلية.

الجوكر الذهبي مسيرة حافلة بأدوار لا تُنسى

بدأ لطفي لبيب مسيرته الفنية بأدوار صغيرة في المسرح، الذي ظل عشقه الأول، فشارك في مسرحيات مثل “المغنية الصلعاء” و”الرهائن”. إلا أن نجمه بدأ يسطع بقوة في عالم السينما والتلفزيون مع بداية الألفية الجديدة. ورغم أنه لم يسعَ يومًا للبطولة المطلقة، فقد كان بطلًا حقيقيًا في كل دور “ثانٍ” أو “مساعد” أسند إليه، حتى أُطلق عليه لقب “نجم خط الوسط” أو “الجوكر الذهبي” الذي لا يمكن لأي فريق فني الاستغناء عنه.

كانت قدرته على التلون والتجسيد مذهلة. في عالم الكوميديا، ترك بصمات لا تُمحى. من منا ينسى دوره كـ “عم نصحي” في فيلم “طير إنت” مع أحمد مكي، أو شخصية والد “حاحا” في فيلم “حاحا وتفاحة” مع ياسمين عبد العزيز، أو أدواره المميزة مع محمد هنيدي في “يا أنا يا خالتي” و”عندليب الدقي”. لقد امتلك حسًا كوميديًا فريدًا، نابعًا من الموقف وليس من “الإفيه” المفتعل، معتمداً على ملامح وجهه الصادقة ونبرة صوته المميزة التي كانت قادرة على إثارة الضحك والتعاطف في آن واحد.

وعلى الجانب الآخر من الطيف الدرامي، برع لطفي لبيب في تقديم أدوار مركبة ومعقدة. ولعل أبرز وأجرأ أدواره على الإطلاق كان تجسيده لشخصية السفير الإسرائيلي “ديفيد كوهين” في فيلم “السفارة في العمارة” أمام الزعيم عادل إمام. لقد كان تحديًا كبيرًا، خاصة لرجل قاتل في حرب أكتوبر، أن يقدم هذه الشخصية. لكنه قدمها ببراعة واحترافية شديدة، دون الوقوع في فخ الكاريكاتير، مما جعل الدور علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية وفي مسيرته شخصيًا.

كما تألق في الدراما التلفزيونية في أعمال خالدة مثل “رأفت الهجان”، “بوابة الحلواني”، “المال والبنون”، و”زيزينيا”، وقدم دور الأب المصري ببراعة في أعمال اجتماعية عديدة، فكان أبًا حنونًا ومتفهمًا أحيانًا، وقاسيًا ومحافظًا أحيانًا أخرى، لكنه دائمًا كان مقنعًا وحقيقيًا.

سنوات المرض الأخيرة محارب حتى الرمق الأخير

رحيل لطفي لبيب: وداعًا “جوكر” السينما المصرية وأحد أبطال أكتوبر 30/7/2025

في سنواته الأخيرة، واجه الفنان لطفي لبيب تحديًا من نوع آخر، وهو التحدي الصحي. فقد أصيب بجلطة دماغية أثرت على جانبه الأيسر، مما حدّ من قدرته على الحركة وأبعده قليلًا عن الساحة الفنية التي عشقها. ورغم ذلك، لم يعتزل بشكل كامل، بل ظل يقاوم ويقبل بعض الأدوار الشرفية التي تناسب حالته الصحية، حبًا في الفن ورغبة في البقاء على تواصل مع جمهوره.

كانت آخر إطلالاته السينمائية في فيلم “أنا وابن خالتي” الذي عُرض في عام 2024، حيث ظهر كضيف شرف، ليترك لجمهوره صورة أخيرة له على الشاشة الكبيرة. وفي تصريحاته الأخيرة، كان دائمًا ما يعبر عن رضاه بقضاء الله، مؤكدًا أنه “يعيش والباقي على الله”، وهي عبارة لخصت إيمانه العميق وصبره على المحنة.

رحيل يدمي القلوب وإرث باقٍ

فور إعلان خبر وفاة لطفي لبيب، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى دفتر عزاء كبير، حيث سارع نجوم الفن والمؤسسات الثقافية والشخصيات العامة إلى نعي الفنان الراحل. نقابة المهن التمثيلية أصدرت بيانًا مؤثرًا نعت فيه “الفنان الكبير”، داعية له بالرحمة والمغفرة. ووصفه نقيبها أشرف زكي بأنه “صاحب البهجة”، وهو وصف دقيق لرجل استطاع أن يرسم البسمة على وجوه الملايين.

كما نعاه الأب بطرس دانيال، رئيس المركز الكاثوليكي للسينما، الذي كان يتابع حالته الصحية عن كثب، بكلمات مؤثرة قال فيها: “فقدنا جوهرة فنية نادرة… لطفي لبيب عاش مبتسمًا ورحل محبوبًا”. وتوالت كلمات الرثاء من زملائه الذين شاركوه أعماله، مستذكرين تواضعه وموهبته ودعمه الدائم للوجوه الشابة.

سيشيع جثمان الفنان الراحل في اليوم التالي لوفاته من إحدى الكنائس الكبرى، ليُختتم بذلك فصل من فصول الإبداع في تاريخ مصر.

رحل لطفي لبيب الجسد، لكن فنه سيظل خالدًا. سيظل “الجوكر” الذي أثرى الشاشة المصرية، والمقاتل الذي دافع عن تراب وطنه، والأب الذي دخل كل بيت مصري عبر أدواره الصادقة. سيظل صوته ونبرته الفريدة محفورين في ذاكرة أجيال من المشاهدين، كشاهد على فنان استثنائي وهب حياته للفن والوطن، ورحل تاركًا فراغًا كبيرًا وحبًا أكبر في قلوب الجميع. وداعًا لطفي لبيب، وداعًا يا صاحب البهجة.

مشاركة المقال:
                    0
                    1
                    1
                    1

مقالات ذات صلة

اترك رد