شخصيات
أخر الأخبار

كارمن لبس: أيقونة التمثيل اللبناني وجرأة الحضور المتجدد 30/7/2025

كارمن لبس أيقونة التمثيل اللبناني وجرأة الحضور المتجدد 30/7/2025

تقف الفنانة اللبنانية كارمن لبس شامخة كأيقونة من أيقونات التمثيل في العالم العربي. على مدى عقود، نسجت مسيرة فنية غنية ومتنوعة، طبعتها بجرأتها في اختيار الأدوار، وعمقها في الأداء، وحضورها الآسر الذي لا تخطئه عين. لم تكن مجرد ممثلة تؤدي أدوارًا، بل فنانة حقيقية تعيش شخصياتها وتمنحها من روحها، لتترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة المسرح والسينما والتلفزيون. من خشبة المسرح الرحباني الطليعي إلى أضخم الإنتاجات الدرامية العربية المشتركة، ظلت كارمن لبس اسمًا مرادفًا للجودة الفنية والالتزام بقضايا الإنسان والمجتمع، ومثالًا للمرأة القوية التي واجهت تحديات الحياة والفن بعزيمة لا تلين.

كارمن لبس: أيقونة التمثيل اللبناني وجرأة الحضور المتجدد 30/7/2025

كارمن لبس أيقونة التمثيل اللبناني

وُلدت كارمن لبس في 22 فبراير 1963 في بيروت، ونشأت في بيئة صقلت شخصيتها ومنحتها صلابة مبكرة. دخلت عالم الفن في سن المراهقة، مدفوعة بشغف جارف للتمثيل. كانت بداياتها الفعلية في الثمانينيات، حيث التقت بالفنان والموسيقي زياد الرحباني، الذي شكلت علاقتها به، فنيًا وشخصيًا، محطة مفصلية في حياتها. تعلمت منه الكثير وصقلت موهبتها على خشبة مسرحه، فشاركت في أعمال مسرحية خالدة مثل “نزل السرور”، “فيلم أميركي طويل”، “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”، و”لولا فسحة الأمل”. هذه المرحلة لم تكن مجرد انطلاقة فنية، بل كانت مدرسة حقيقية في الأداء والتعبير، رسخت لديها فهمًا عميقًا للفن كأداة للتغيير والتعبير عن الواقع.

لم تكتفِ كارمن بالموهبة الفطرية، بل سعت لتدعيمها بالدراسة الأكاديمية. التحقت بمعهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية لدراسة التمثيل عام 1989، ولم يتوقف نهمها للمعرفة عند هذا الحد، فسافرت لدراسة التصوير السينمائي في جامعة أكسفورد عام 1990، ثم درست في مدرسة المسرح والسينما في باريس عام 2003. هذا التسلح الأكاديمي المتنوع منحها أبعادًا إضافية كممثلة، وجعلها قادرة على فهم العملية الفنية من مختلف جوانبها.

مسيرة حافلة من بيروت إلى العالم العربي

تتميز مسيرة كارمن لبس بتنوعها اللافت، وقدرتها على التنقل بسلاسة بين مختلف أنواع الفنون والأدوار. ففي السينما، قدمت أدوارًا أيقونية في أفلام لبنانية وعالمية تركت بصمة واضحة. كانت مشاركتها في فيلم “بيروت الغربية” (West Beirut) للمخرج زياد دويري عام 1998 علامة فارقة، حيث جسدت دور أم البطل طارق ببراعة لافتة، عاكسةً قلق الأم اللبنانية وصمودها في خضم الحرب الأهلية. كما تألقت في أفلام أخرى مثل “بطل من الجنوب (عزيز عيني)” الذي نالت عن دورها فيه جائزة من مهرجان الإسكندرية السينمائي، و”معارك حب”، و”زوزو” للمخرج السويدي اللبناني الأصل جوزيف فارس، والفيلم العالمي “Whatever Lola Wants”.

أما في الدراما التلفزيونية، فقد حفرت كارمن لبس اسمها كواحدة من أهم نجمات الشاشة الصغيرة في لبنان والعالم العربي. استطاعت أن تجسد أدوارًا مركبة ومعقدة، وأن تقدم شخصيات نسائية قوية ومؤثرة. من منا ينسى دورها في مسلسل “ابنة المعلم” الذي حقق نجاحًا جماهيريًا كاسحًا ونالت عنه جائزة “الموريكس دور” كأفضل ممثلة لبنانية. توالت بعدها النجاحات في مسلسلات لبنانية وعربية مشتركة أثبتت من خلالها أنها ممثلة من العيار الثقيل، قادرة على التلون والتجدد.

كارمن لبس: أيقونة التمثيل اللبناني وجرأة الحضور المتجدد 30/7/2025

برزت في أعمال مثل “مالح يا بحر”، “سنعود بعد قليل” إلى جانب النجم دريد لحام، “الإخوة”، “سرايا عابدين” الذي قدمت فيه شخصية “نازلي” بتميز، ومسلسل “تشيللو”. وفي السنوات الأخيرة، واصلت تألقها في أعمال حققت انتشارًا واسعًا مثل “الزيبق” مع كريم عبد العزيز، “عوالم خفية” مع عادل إمام، “تانغو”، “مقابلة مع السيد آدم”، “ع الحلوة والمرة”، وصولًا إلى أدوارها اللافتة في مسلسلات مثل “عشرين عشرين” و”للموت”، حيث أظهرت نضجًا فنيًا وقدرة متجددة على إبهار الجمهور.

حياة شخصية صاخبة وإلهام فني

لم تكن حياة كارمن لبس الشخصية بعيدة عن الأضواء والعواصف. فقد تزوجت في سن مبكرة وأنجبت ابنها الوحيد مروان، لكن الزواج لم يدم طويلًا. أما علاقتها الأبرز فكانت مع الفنان زياد الرحباني التي استمرت لخمسة عشر عامًا. كانت علاقة مركبة، مليئة بالشغف الفني والحب والتحديات، وقد تركت أثرها العميق في شخصيتها وفنها. تحدثت كارمن في مناسبات عدة عن هذه الفترة، كاشفة عن جوانب من تجربتها التي صقلتها وجعلتها أكثر قوة.

لم تكن حياتها سهلة، فقد واجهت تحديات وصعابًا، كشفت عن بعضها بجرأة، مثل تعرضها للتحرش في طفولتها، وهو ما تحدثت عنه بهدف التوعية وكسر حاجز الصمت. هذه الجرأة في المواجهة انعكست على أدوارها، حيث لم تتردد في تقديم شخصيات تعاني وتكافح وتتمرد، مانحةً صوتًا للنساء اللواتي يواجهن ظروفًا قاسية.

جوائز وتكريمات حصاد مسيرة استثنائية

على مدار مسيرتها الطويلة، حصدت كارمن لبس العديد من الجوائز والتكريمات التي تشهد على تميزها الفني. فبالإضافة إلى جائزة مهرجان الإسكندرية و”الموريكس دور” التي نالتها أكثر من مرة، تم تكريمها في محافل فنية عديدة في الجزائر وماليزيا ودبي، تقديرًا لمجمل أعمالها وإسهاماتها في إثراء الفن العربي. كما شاركت كعضو لجنة تحكيم في برنامج “عرب كاستينغ” (Arab Casting)، حيث قدمت خبرتها الطويلة للجيل الجديد من المواهب. وفي عام 2025، تم ترشيحها لجائزة أفضل ممثلة عربية ضمن مهرجان العراق الدولي، في تأكيد جديد على مكانتها الراسخة كنجمة عربية.

كارمن لبس: أيقونة التمثيل اللبناني وجرأة الحضور المتجدد 30/7/2025

تعد كارمن لبس أكثر من مجرد ممثلة ناجحة؛ إنها حالة فنية متفردة. فنانة جمعت بين الموهبة العفوية والثقافة الفنية العميقة، وبين الجرأة في الطرح والعمق في الأداء. استطاعت أن تبني جسرًا بين الفن التجريبي الطليعي والإنتاجات الجماهيرية الواسعة، دون أن تفقد بوصلتها الفنية أو تتنازل عن قناعاتها. مسيرتها هي قصة إصرار وشغف، وقدرة على تحويل الألم إلى إبداع، والتحديات إلى فرص للتجدد. وبكل دور قدمته، وبكل موقف عبرت عنه، تواصل كارمن لبس إلهام أجيال من الفنانين والجمهور، وتؤكد أن الفن الحقيقي هو ذاك الذي ينبع من صدق التجربة وقوة الموهبة.

مشاركة المقال:
                    0
                    1
                    1
                    1

مقالات ذات صلة

اترك رد