شخصيات
أخر الأخبار

وفاة الفنان والموسيقار زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً 

وفاة زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً: رحيل "العبقري المتمرد" الذي رسم ملامح لبنان الفنية والثقافية 

وفاة زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً: رحيل “العبقري المتمرد” الذي رسم ملامح لبنان الفنية والثقافية

 

زياد الرحباني، الاسم الذي يختزل عقوداً من الفن والتمرد والجدل في لبنان، يغادرنا اليوم عن عمر يناهز 69 عاماً. خبر وفاته، الذي أكدته مصادر إعلامية رسمية مثل الوكالة الوطنية للإعلام، لم يكن مجرد إعلان عن نهاية حياة فنان، بل هو طي لصفحة استثنائية من تاريخ لبنان الثقافي والسياسي والاجتماعي. لفهم حجم الخسارة، لا بد من الغوص في عالم هذا الفنان الذي كان أكبر من مجرد موسيقي، وأعمق من كونه كاتباً مسرحياً؛ لقد كان زياد الرحباني حالة فريدة، وظاهرة شكلت وعي أجيال بأكملها.

وفاة الفنان والموسيقار زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً

النشأة تحت ظل العمالقة: نعمة التأسيس ونقمة التمرد

 

أن تولد ابناً للسيدة فيروز والموسيقار عاصي الرحباني يعني أنك نشأت في قلب المعبد الفني. هذه البيئة منحت زياد الرحباني تكويناً موسيقياً صلباً وقرباً من عمالقة الفن. لكنها في الوقت ذاته، فرضت عليه تحدياً وجودياً هائلاً: كيف يمكن أن تبني هويتك الخاصة في ظل شجرتين عملاقتين؟ هذا الصراع بين الانتماء والتمرد شكّل المحور الأساسي لشخصية زياد الفنية.

جاءت فرصته الأولى الكبرى خلال مرض والده عاصي في عام 1973. وفيما كانت فيروز بحاجة إلى أعمال جديدة، تقدم الشاب زياد الرحباني، الذي لم يتجاوز 17 عاماً، بلحن أغنية “سألوني الناس”. لم تكن مجرد أغنية لسد الفراغ، بل كانت إعلاناً فنياً جريئاً، يحمل الحمض النووي الرحباني لكن بلكنة جديدة ومختلفة. تبع هذا النجاح سلسلة من الأعمال الأيقونية التي قدمها لفيروز مثل “وحدن بيبقوا”، “معرفتي فيك”، و”كيفك إنت”، والتي أدخل فيها هارمونيات الجاز المعقدة، محدثاً نقلة نوعية في مسيرة والدته الفنية.

 

المسرح الرحباني: صوت الناس الصارخ في زمن الحرب

 

إذا كانت الموسيقى هي ميدانه للتجريب، فإن المسرح كان منصته لإطلاق صرخته. مسرح زياد الرحباني هو الأكثر تعبيراً عن الواقع اللبناني المأزوم. في وقت كانت فيه الحرب الأهلية (1975-1990) تمزق البلاد، كان مسرحه يقدم تشريحاً دقيقاً وحاداً للمجتمع.

  • “بالنسبة لبكرا شو؟” (1978): تعتبر هذه المسرحية عملاً تأسيسياً. لم تكن مجرد كوميديا، بل كانت وثيقة سوسيولوجية عن القلق الوجودي للطبقة الوسطى، وأحلام الشباب المهاجر، والضياع الاقتصادي. حوارات “زكريا” و”ثريا” تحولت إلى أمثال شعبية لأنها لامست حقيقة يعيشها كل لبناني.
  • “فيلم أميركي طويل” (1980): هنا، انتقل زياد الرحباني إلى المواجهة المباشرة. كانت المسرحية هجوماً صريحاً على أمراء الحرب، وفضحاً لزيف شعاراتهم، وتعرية للمصالح التي تحرك الصراع.
  • “شي فاشل” (1983): في هذا العمل، وجه نقده إلى الداخل، إلى الوسط الفني نفسه، مسلطاً الضوء على الانحدار الثقافي والفن التجاري الهابط الذي بدأ يغزو الساحة.

مسرح زياد الرحباني لم يكن للتسلية، بل كان للعلاج بالصدمة، يجبرك على الضحك من مأساتك، والتفكير في واقعك، والكفر بالمسلّمات.

وفاة الفنان والموسيقار زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً

موسيقى زياد الرحباني: هوية فنية لا تقبل التصنيف

 

بعيداً عن الأغاني التي قدمها لفيروز، بنى زياد الرحباني عالمه الموسيقي الخاص الذي لا يمكن حصره في قالب واحد. ألبوماته الخاصة هي دليل على عبقريته في الدمج والتجريب. يمكنك استكشاف هذا العالم الفريد بالاستماع لأعماله الكاملة على منصات مثل سبوتيفاي (Spotify).

في ألبومات مثل “هدوء نسبي” و”بما إنو”، تسمع مزيجاً عبقرياً من الجاز الشرقي، الفانك، البلوز، والموسيقى الكلاسيكية. لقد تفكك المقامات الشرقية وأعاد تركيبها بهارمونيات غربية، وتعاون مع موسيقيين من ثقافات مختلفة، ليقدم موسيقى عالمية بروح لبنانية أصيلة. كان زياد الرحباني يؤمن بأن الموسيقى لغة عالمية، وقد أثبت ذلك في كل مقطوعة ألفها.

وفاة الفنان والموسيقار زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً

الإرث السياسي والفكري: المثقف المشاغب

 

لم يفصل زياد الرحباني فنه عن مواقفه السياسية. على العكس، كان فنه في خدمة أفكاره. تبنى الفكر اليساري بشكل علني، وهاجم الطائفية السياسية التي اعتبرها أصل كل العلل في لبنان. كانت كتاباته الصحفية اللاذعة، وإطلالاته في برامجه الإذاعية مثل “العقل زينة”، بمثابة منابر إضافية عبر من خلالها عن آرائه دون مواربة.

هذه المواقف الجريئة جعلته شخصية إشكالية بامتياز. أثارت آراؤه وتحالفاته السياسية جدلاً واسعاً، وأكسبته خصومات كثيرة بقدر ما أكسبته من محبة وتقدير. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن زياد الرحباني كان مثقفاً عضوياً، مرتبطاً بقضايا شعبه، ومستعداً لدفع ثمن قناعاته.

 

خاتمة: رحيل الجسد وبقاء الأثر

وفاة الفنان والموسيقار زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً

برحيل زياد الرحباني، يفقد المشهد الثقافي العربي صوتاً لا يعوّض. لقد كان فناناً شاملاً، موسيقياً فذاً، كاتباً مسرحياً عبقرياً، ومثقفاً مشاغباً أعاد تشكيل طريقة تفكيرنا في الفن والسياسة والمجتمع. إرثه ليس فقط في أعماله التي يمكن مشاهدتها على يوتيوب أو الاستماع إليها عبر الأثير، بل في الروح النقدية التي زرعها في وعي الملايين. رحل الجسد، لكن صوت زكريا سيبقى يسأل “بالنسبة لبكرا شو؟”، وستبقى موسيقى زياد الرحباني تصدح، شاهدة على فنان خالد لم يمت، بل انتقل من الحضور الجسدي إلى الخلود في ضمير أمته.

مشاركة المقال:
                    0
                    1
                    1
                    1

مقالات ذات صلة

اترك رد