ضوء على الشراكة الناشئة OpenAI ووزارة دفاع أميركا عصر ذكاء اصطناعي الأمني، حيث في عالم تتسارع فيه خطى التطور التكنولوجي، وتتشابك فيه خيوط الذكاء الاصطناعي مع كافة جوانب الحياة، يبرز التعاون بين عمالقة التكنولوجيا والمؤسسات الحكومية كأحد أهم محركات هذا التقدم، ولكنه في الوقت ذاته يثير جدلاً واسعاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجال العسكري والأمني. بالتالي عبر موقع mrmagazin سنتعرف على ضوء على الشراكة الناشئة OpenAI ووزارة دفاع أميركا عصر ذكاء اصطناعي الأمني.
OpenAI ووزارة دفاع أميركا عصر ذكاء اصطناعي
في هذا السياق، ظهرت أنباء وتقارير حول شراكة بين شركة OpenAI، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وهي شراكة، وإن لم تصل إلى حجم عقد بقيمة 200 مليون دولار كما أشيع في بعض الأوساط لتطوير أنظمة مضادة للطائرات المسيرة، إلا أنها تمثل تحولاً مهماً في سياسات الشركة وتفتح الباب على مصراعيه أمام مستقبل الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن القوم
حقيقة التعاون بين OpenAI والبنتاغون
خلافاً للمعلومات المتداولة التي ربطت OpenAI بعقد ضخم بقيمة 200 مليون دولار لتطوير تقنيات متقدمة مضادة للدرونات، تشير الوقائع والمعلومات المؤكدة إلى أن هذا الرقم مرتبط بشركة أخرى متخصصة في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، وهي شركة “بالانتير تكنولوجيز” (Palantir Technologies). فقد حصلت بالانتير بالفعل على عقود كبيرة من وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير ونشر قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لدعم العمليات العسكرية المختلفة.
أما علاقة OpenAI بالبنتاغون، فهي أكثر دقة وتعقيداً. فبعد أن كانت الشركة تتبنى سياسة صارمة تمنع استخدام تقنياتها في الأغراض العسكرية وتطوير الأسلحة، شهدت سياستها تحديثاً في مطلع عام 2024. حيث قامت الشركة بإزالة فقرة من شروط استخدامها كانت تحظر صراحةً “الاستخدام العسكري والحربي” لتقنياتها. بررت OpenAI هذا التغيير بأنه يهدف إلى تمكين التعاون في مشاريع تتعلق بالأمن القومي وتعتبر حيوية ومتوافقة مع رؤيتها للاستخدام الآمن والمفيد للذكاء الاصطناعي.
وفقًا لتصريحات مسؤولي الشركة، فإن OpenAI تتعاون حاليًا مع وزارة الدفاع الأمريكية في عدد من المشاريع الأولية، أبرزها يتمحور حول **الأمن السيبراني (Cybersecurity). تعمل الشركة على تطوير أدوات وبرمجيات مفتوحة المصدر تهدف إلى تعزيز قدرات الكشف عن التهديدات السيبرانية والتصدي لها، وهو مجال بات يمثل أولوية قصوى للأمن القومي في مواجهة الهجمات الإلكترونية المتطورة.
بالإضافة إلى ذلك، انخرطت OpenAI في حوارات ومشاريع استشارية مع البنتاغون، بهدف استكشاف كيفية استخدام نماذجها اللغوية الكبيرة، مثل GPT-4، في تطبيقات لا تتضمن إلحاق الأذى المباشر، مثل المساعدة في تحليل كميات هائلة من البيانات، وتحسين عمليات الترجمة، والمساهمة في جهود منع الانتحار بين قدامى المحاربين.
الشراكة الموازية أنظمة مكافحة الطائرات المسيرة
على الرغم من أن OpenAI ليست الطرف المباشر في عقد تطوير أنظمة مكافحة الطائرات المسيرة (Counter-UAS)، إلا أن هذا المجال يشهد اهتماماً متزايداً من قبل وزارة الدفاع الأمريكية التي تسعى للاستفادة من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواجهة التهديد المتنامي للأنظمة الجوية غير المأهولة.
تعتمد أنظمة مكافحة الدرونات الحديثة بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي في عدة مراحل:
- الكشف والتعرف: تستخدم خوارزميات التعلم الآلي لتحليل البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار المختلفة (الرادارات، الكاميرات الحرارية، أجهزة استشعار الترددات الراديوية) للتمييز بين الطائرات المسيرة الصديقة والمعادية، وتحديد أنواعها وطرازاتها بدقة وسرعة تفوق القدرات البشرية.
- التتبع والتنبؤ بالمسار: يقوم الذكاء الاصطناعي بمعالجة بيانات الحركة للطائرة المسيرة المعادية للتنبؤ بمسارها المحتمل، مما يمنح أنظمة الدفاع وقتاً كافياً لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
- اتخاذ القرار والاشتباك: في الأنظمة الأكثر تقدماً، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في اختيار أفضل وسيلة للتصدي للتهديد، سواء كان ذلك من خلال التشويش الإلكتروني لقطع الاتصال بين الطائرة ومشغلها، أو استخدام أسلحة الطاقة الموجهة (مثل الليزر)، أو حتى إطلاق طائرات مسيرة اعتراضية.
إن الدور الذي يمكن أن تلعبه نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، كتلك التي تطورها OpenAI، في هذا المجال قد لا يكون مباشراً في التحكم بالأسلحة، ولكنه يمكن أن يكون محورياً في تحليل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بتكتيكات استخدام العدو للطائرات المسيرة، أو في محاكاة سيناريوهات هجومية ودفاعية لتدريب الأنظمة والمشغلين.
جدلية الخطوط الحمراء الاعتبارات الأخلاقية والسياسية
يمثل قرار OpenAI بالانخراط مع المؤسسة العسكرية نقطة تحول أثارت نقاشاً واسعاً داخل وادي السيليكون وخارجه. فلطالما نأت شركات التكنولوجيا الكبرى بنفسها عن الارتباط المباشر بالصناعات العسكرية، خوفاً من ردود الفعل السلبية من موظفيها ومن الجمهور، وتجنباً للمساءلة الأخلاقية عن استخدام تقنياتها في النزاعات.
تؤكد OpenAI أنها لا تزال تفرض “خطوطاً حمراء” واضحة. صرحت الشركة بأنها لن تسمح أبداً باستخدام تقنياتها لتطوير الأسلحة الفتاكة المستقلة (Lethal Autonomous Weapons)**، أو في أي تطبيقات تهدف إلى إيذاء الناس بشكل مباشر، أو تدمير الممتلكات، أو المشاركة في عمليات المراقبة غير المصرح بها. الهدف، كما تقوله الشركة، هو المشاركة في “حوار” حول الأماكن التي يمكن أن يكون فيها الذكاء الاصطناعي مفيدًا، مثل المساعدة في المهام الدفاعية والوقائية.
ومع ذلك، يرى النقاد أن الخط الفاصل بين التطبيقات “الدفاعية” و “الهجومية” يمكن أن يكون ضبابياً للغاية. فالتقنية التي تُستخدم اليوم لتحليل البيانات لأغراض الأمن السيبراني قد تُستخدم غداً لتحليل بيانات استخباراتية لتحديد الأهداف. هذا الغموض يضع مسؤولية هائلة على عاتق OpenAI لضمان فرض ضوابط صارمة والتحلي بالشفافية الكاملة حول طبيعة تعاونها مع أي جهة عسكرية.
مستقبل الشراكة وتأثيرها على الأمن القومي
إن دخول لاعب بحجم وتأثير OpenAI إلى ساحة التعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية، حتى لو كان في خطواته الأولى، يحمل في طياته دلالات عميقة.
- تسريع الابتكار: يمكن أن يؤدي هذا التعاون إلى تسريع وتيرة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي الأمني، وتطوير حلول أكثر تطوراً وفعالية لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة.
- شرعنة التعاون: قد يشجع قرار OpenAI شركات ذكاء اصطناعي أخرى كانت مترددة على الدخول في شراكات مماثلة، مما يؤدي إلى تعميق العلاقة بين وادي السيليكون والمؤسسة العسكرية.
- تحديات الحوكمة: يفرض هذا التطور ضرورة ملحة لوضع أطر تنظيمية وتشريعية دولية ووطنية تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية، وتضمن بقاء التحكم البشري الهادف في جميع مراحل اتخاذ القرار، خاصة تلك المتعلقة بالحياة والموت.
في الختام، إن الشراكة بين OpenAI ووزارة الدفاع الأمريكية ليست مجرد صفقة تجارية، بل هي مؤشر على بداية حقبة جديدة يتم فيها دمج أحدث ما توصلت إليه البشرية في مجال الذكGكاء الاصطناعي في صميم استراتيجيات الأمن القومي. وبينما تظل التفاصيل الدقيقة للكثير من هذه المشاريع طي الكتمان، فإن النقاش العام حول الأبعاد الأخلاقية والتداعيات الاستراتيجية لهذا التعاون سيبقى مفتوحاً ومحورياً، ليحدد ملامح العلاقة بين التكنولوجيا والحرب في القرن الحادي والعشرين.